تعزيز المرونة من خلال الشراكات الفعالة بين القطاعين الحكومي والخاص
رحلة النهوض من الإغلاق الكامل إلى إعادة تدشين استراتيجيات البنا
لقد غيرت جائحة كورونا وما تسببت فيه من اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية، السياق التقليدي لصنع القرار، وأصبح اهتمام قادة العالم أكثر من أي وقت مضى نحو كيفية البقاء وتيسير سبل العيش، وأصبحت قطاعات الصحة والتعليم والطاقة تشهد اهتمامًا أكثر من أي وقت مضى.
ووسط الأزمات التي خلفتها جائحة كورونا، تبرز فرص فريدة للتعافي؛ وفي هذا الإطار تقدم مبادرة The Great Reset أو «إعادة تدشين استراتيجيات البناء» التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي في مايو 2020، رؤى لمساعدة صانعي القرار، لتحديد الأولويات الوطنية، وكيفية التعامل مع الظروف الراهنة، وطبيعة نماذج الأعمال الجديدة، انطلاقًا من الرؤية والخبرة المتوافرة للقادة المشاركين في المنتدى، وتسعى المبادرة لتدشين عقد اجتماعي جديد يقوم على إعلاء البشر وتكريمهم.
الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي
«أطلق المنتدى الاقتصادي العالمي وثيقة النظام الاقتصادي والاجتماعي الجامع للأطراف ذات الصلة، لتحقيق اقتصاد دائري، يلتزم بالمعايير البيئية، من خلال الإصلاحات المستمرة لتعزيز النمو الشامل».
وعندما يتعلق الأمر بالمرونة التي يجب أن تتسم بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن الحاجة تصبح ملحة لتفكير مختلف، وتبني رؤية ولغة مشتركة من جانب الأطراف ذات الصلة بالمنطقة، سواء من قادة القطاع الحكومي والخاص والمجتمع المدني والأكاديمي، إن أحد الركائز الأساسية لهذا الفهم الجديد للتعاون يدور حول دور ومسؤولية الشركات في المجتمع والمتجسد في مبادئ وممارسات النظام الاقتصادي والاجتماعي الجامع للأطراف ذات الصلة.
في مقال رأي، شاركت في كتابته د. رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، مع ميريك دوشك نائب رئيس مركز الشؤون الجيوسياسية والإقليمية وعضو اللجنة التنفيذية للمنتدى الاقتصادي العالمي وآلان بيجاني الرئيس التنفيذي ماجد الفطيم، تم نشر دعوة للعمل تحدد ٤ طرق يمكن أن يبني بها التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص، المرونة:
١. صياغة سياسات اقتصادية شاملة وعقد اجتماعي جديد
٢. تحفيز التكامل الاقتصادي
٣. إعادة تشكيل نظم التعليم
٤. تسخير الثورة الصناعية الرابعة
٥. تعزيز الاستدامة البيئية
٦. التخفيف من المخاطر الصحية العالمية
٧. الالتزام بالحوكمة الرشيدة والمرنة
تقترح مبادئ النظام الاقتصادي والاجتماعي الجامع للأطراف ذات الصلة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، أن تراعي الشركة ليس فقط مصالح العملاء والموردين والموظفين والمساهمين، ولكن أيضًا اهتمامات المجتمع الأوسع والبيئة والمجتمع ككل، كما أنها تركز على مسؤولية الشركات فيما يتعلق بالشرائح الأكثر ضعفًا من السكان.
ولذلك يرى أعضاء مجموعة العمل الإقليمية للمنتدى الاقتصادي العالمي أن مبادئ وممارسات النظام الاقتصادي والاجتماعي الجامع للأطراف ذات الصلة، توفر الخطوط العريضة لرؤية مشتركة لبناء أنظمة اجتماعية واقتصادية أكثر مرونة ودمجًا واستدامة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
يجب أن تكون السياسات الاقتصادية، سواء كانت مالية أو نقدية أو ضمن التجارة والاستثمارات العامة، احتوائية بحيث يستفيد منها كافة فئات المجتمع، وأن يتم تصميمها بطريقة تخدم احتياجات ومصالح جميع الجهات الفاعلة في المجتمع، بما في ذلك النساء والفئات الأكثر احتياجًا. علاوة على ذلك، ينبغي أن تستند إلى عدد من العوامل الهامة منها توفير شبكات الحماية الاجتماعية للأكثر احتياجًا، والنظر في عدم المساواة الاقتصادية، ومحاولة إدماج الاقتصاد غير الرسمي. أخيرًا، مع انتقال المنطقة بعيدًا عن النماذج الاقتصادية القائمة على الريع إلى نماذج اقتصادية أكثر تنوعًا، يجب أن تستهدف السياسات مجالات تأثير ملموسة مثل إدارة سلاسل التوريد والتوزيع العادل للدخل.
يتطلب تحفيز التنمية الاقتصادية الشاملة والقدرة التنافسية الإقليمية مستويات أعلى من التجارة والاستثمار داخل المنطقة، والذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تسهيل التعاون الفعال عبر الحدود بين الاقتصادات المختلفة. غالبًا ما تتأخر الجهود التنموية في جميع أنحاء المنطقة بسبب عدم تحقيق التكامل الإقليمي، مما يؤدي إلى عدم الاستفادة من العوائد التي يمكن أن تولدها الاقتصادات الأكثر تكاملاً، بما في ذلك مجالات الاقتصاد الرقمي أو السياحة أو الحواجز غير الجمركية. علاوة على ذلك، يجب أن يتم من خلال التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص اعتماد سياسات أكثر مرونة، بالإضافة إلى آليات مؤسسية وبيئات تنظيمية أوسع وداعمة لبعضها البعض
يحتاج تنفيذ إصلاحات سوق العمل الفعالة إلى إتمامها بمناهج تعليمية حديثة يمكن أن تنتج خريجين مستعدين لدخول سوق العمل في القرن الحادي والعشرين. وفي ضوء المنافسة المتزايدة على مستوى العالم، وبالنظر إلى تحديات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي، يجب أن تكون أنظمة التعليم موجهة نحو تعزيز المهارات الشخصية مثل التفكير النقدي والإبداعي وريادة الأعمال والعمل الجماعي؛ علاوة على ذلك، فإن حتمية توفير فرص التعليم للجميع تحث الأطراف ذات الصلة على تصميم أنظمة تعليمية تتبنى سرعة التقدم التكنولوجي والتعلم المستمر .
في ضوء التطور التكنولوجي غير المسبوق، الذي تسارع الآن بسبب جائحة كوفيد-١٩، يجب على الأطراف ذات الصلة والمعنيين، تشكيل بيئات العمل بشكل يحقق التوازن بين ضرورات الخصوصية والكفاءة. ويجب الاستفادة من الظروف والموارد الحالية في المنطقة، مثل المعدلات العالية لانتشار الإنترنت وتوافر الشباب الموهوبين في مجال التكنولوجيا، كأساس للتكامل على المستوى الإقليمي للبنى التحتية الرقمية والأسواق المحلية، بما في ذلك توفير مجموعة متنوعة من الخدمات الاجتماعية والمالية.
وتحتاج هذه الجهود إلى أن تكون مدعومة بإنشاء نظم متكاملة للتكنولوجيا على المستوى المحلي، فضلاً عن هيكل حوكمة شامل على المستوى الإقليمي. أخيرًا، يجب أن تكون الحلول التكنولوجية موجهة نحو سد الفجوة الرقمية مع التركيز على الفرد باعتباره العامل الرئيسي والمستفيد من التقدم التكنولوجي.
في منطقة تواجه مخاطر بيئية حادة، مثل تلك المتعلقة بالتصحر وندرة المياه وموجات الحرارة بسبب تغير المناخ، ينبغي تصميم السياسات الاجتماعية والاقتصادية بطريقة تخفف من الاضطرابات المناخية المحتملة في المستقبل. تحتاج مثل هذه السياسات إلى مراعاة مبادئ الاستدامة البيئية بشكل خاص والاستثمار في المشروعات المبتكرة مثل المشروعات المتعلقة بالاقتصاد الدائري.
علاوة على ذلك، يجب تحفيز الشركات لإعادة تصميم نماذج أعمالها من أجل الاستدامة، وبالتالي إعادة تشكيل نظم العمل من أجل توليد القيمة وتقليل التكاليف للأعمال والبيئة. أخيرًا، يجب أن تعزز السياسات البيئية معايير خفض انبعاثات الكربون، بما يتماشى مع خطة التنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠.
كما اتضح من تجربة جائحة كورونا، فإن الأوبئة يمكن أن تسبب اضطرابات شديدة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. في ظل هذا الأمر، يتعين على الحكومات والجهات الفاعلة في القطاع الخاص التعاون على المستوى الإقليمي من أجل التخفيف من تأثير المخاطر الصحية العالمية على البشر، والتعاون في مجالات مثل البحث والتطوير، والصحة الرقمية، وتطوير اللقاحات والتوزيع العادل لها.
يجب على الأطراف ذات الصلة، من مختلف أطياف المجتمع، بما في ذلك الحكومة والقطاع الخاص، وكذلك الجهات الفاعلة في المجتم المدني والأوساط الأكاديمية العلمية، العمل معًا من أجل تعزيز الحكم الرشيد، ومكافحة الفساد، وضمان سيادة القانون وتمكين المواطنين للتمتع بالعدالة والازدهار والكرامة. يجب عليهم أيضًا أن يسعوا بشكل مشترك لزيادة مرونة القواعد واللوائح الحكومية للاستجابة بفعالية للمخاطر والفرص المترابطة في هذا العصر الجديد.